28‏/06‏/2009

المشتقات المالية من منظور الشريعة الإسلامية - الجزء الأول

تقع أبرز المشتقات المالية التقليدية في فئة العقود المستقبلية وحقوق الاختيار والمبادلات المؤقتة، وهي أدوات مالية تشتق قيمتها من قيمة أصول أخرى تأخذ غالباً شكل الأسهم والسندات والعملات والسلع الدولية. ويقوم الحكم الشرعي للمشتقات المالية على شرعية العقود التي تبنى عليها.

تعد المشتقات المالية حقوقاً مالية محلها حقوقٌ مالية أخرى، لأن قيمة الأداة المشتقة تتوقف على قيمة الأصل الذي يخول حاملها حقوقاً عليه. وهي تشتمل على جملة من الأدوات المالية، أهمها العقود الآجلة، والعقود المستقبلية، وحقوق الاختيار، والمبادلات المؤقتة، بالإضافة إلى مجموعة من الأدوات الهجينة كحقوق اختيار المبادلات Swaptions وحقوق الاختيار طويلة الأجل LEAPS والتزامات الرهن العقاري المضمونة CMO. وتتجلى الوظيفة الأساسية للمشتقات المالية في مساعدة المستثمر أساساً على التوقي من المخاطر، وتحقيق قدر من الاستقرار في العائد على الاستثمار.

لقد بدأ سوق المشتقات المالية تطوره من العقود الآجلة، ثم ظهرت العقود المستقبلية ثم حقوق الاختيار، ومنها انبثق مفهوم الهندسة المالية وحقوق الاختيار الهجينة والأدوات المالية المركبة والمبادلات المؤقتة. ومع أن العقود الآجلة ظهرت أساساً للمساعدة على إدارة المخاطر في المنتجات الزراعية، فقد طرأت الحاجة إلى أدوات أخرى مع التغيرات التي طرأت على مصادر المخاطر. ذلك أن الانتقال من العقود الآجلة إلى العقود المستقبلية ساعد المستثمرين على الحد من مخاطر السيولة ومخاطر الطرف الثاني، وتجنب المساومات السعرية. كما أن الانتقال من العقود المستقبلية إلى حقوق الاختيار وسّع من الخيارات المتاحة أمام المستثمر، ورفع قدرته على الاستفادة من التغيرات السعرية الإيجابية، وسهل عليه إدارة المطلوبات أو الالتزامات الاحتمالية أو المشروطة، وذلك في سبيل الوصول إلى إدارة فعالة للمخاطر الاستثمارية.

إدارة المخاطرة
وتأتي جميع تقنيات إدارة المخاطرة وأدواتها التي تعتمد المشتقات المالية في العمليات، من خارج الميزانية، ذلك أن آليات التحوط أو التوقي تكون مستقلة أو منعزلة عن العمليات التي تتأسس عليها. ولنفترض أن شركة صينية تلقت طلباً بتصدير سلعة ما لأحد عملائها في البحرين، فباللجوء إلى تقنية «من داخل الميزانية» لا يمكن تسجيل قيمة الصفقة إلا باليوان الصيني، كما أن الشركة المصدرة ستلجأ إلى رفع السعر لتغطية مخاطر سعر الصرف، وإلى إبرام اتفاقية تتشارك بموجبها مخاطر الصرف مع المستورد. أما تقنية «من خارج الميزانية» فتمكن العميل البحريني من الاعتماد على العقود الآجلة أو المستقبلية قصيرة الأجل لشراء العملة الأجنبية، أو حقوق اختيار بيع العملة الأجنبية (طويلة الأجل)، أو إجراء مبادلات آجلة يكون فيها العميل هو الدافع، والشركة المصدرة هي القابض.

مطالب شرعية
ويأتي انتشار الأدوات المشتقة وشيوعها من انخفاض تكلفتها وارتفاع مرونتها، لكن التقنيات من خارج الميزانية القائمة على المشتقات المالية، تأتي منافية لأحكام الشريعة الإسلامية. إذ يشترط لمشروعية الأداة أو المعاملة المالية أن تكونا خاليتين من الربا والفساد (الرشوة والمحسوبية) والميسر (المقامرة) والغرر والجهالة. كما تفرض الشريعة جملة من المطالب التي يجب أن يستوفيها بيع الموجود، فلكي يكون البيع مشروعاً، ينبغي أن يكون الموجود أو السلعة جاهزين فعلاً للبيع، وأن يكون البائع هو المالك الفعلي للموجود. مما يعني - على ضوء هذه الشروط - أن تداول الأدوات المالية المشتقة غير جائز من منظور الشريعة.

ومع ذلك، فثمة استثناءات تجيزها الشريعة عند الحاجة، ومنها البيع الآجل. كما أن ثمة العديد من الأدوات والعقود المالية الإسلامية التي يمكن اعتبارها الأساس للعقود الآجلة والعقود المستقبلية في صورتها التقليدية، وهي بالتحديد عقد الجعالة وعقد السلم وعقد الاستصناع. فهذه العقود تقوم جميعها على معاملات آجلة لغايات مختلفة، ويعتبر عقد السلم أقربها للعقود الآجلة والمستقبلية في صورتها الحالية، حيث يحمل عقد السلم وجه شبه كبير للعقد الآجل في صورته التقليدية، مع فارق أساسي يتجلى في أن المشتري في عقد السلم يقدم للمسلم إليه (البائع) الثمن كاملاً وقت إبرام العقد. كما يشترط في عقد السلم أن يؤدى الثمن نقداً، ذلك أن الغاية من عقد السلم أساساً هي توفير متطلبات رأس المال العامل للمزارعين والمشاريع الصغيرة التي يعوزها التمويل. وبالتالي، فإن أداء الثمن كاملاً وقت التعاقد يساعد البائع على المضي قدماً في توفير السلعة المطلوبة للمشتري. وغالباً ما يكون الثمن المحدد مسبقاً دون الثمن الحالّ السائد في السوق وقت إبرام العقد. أما في العقد الآجل والمستقبلي في صورته التقليدية، فإن السعر المحدد يتجاوز السعر الحالّ بهامش تكلفة الحفظ والتخزين. وفي الحالة الأولى، يعد الفرق بين الثمن الحال وثمن السلم تعويضاً من البائع للمشتري عن أداء المشتري للثمن كاملاً قبل استلام المسلم فيه. ويظل عقد السلم استثناءً في النظام المالي الإسلامي الذي لا يحبذ عموماً البيع المستقبلي، وخاصة إذا كان محله الأطعمة والمواد الغذائية. وعلى ذلك، يخضع بيع السلم لجملة من الاشتراطات هي: أداء الثمن كاملاً عند التعاقد، وأن يكون المسلم فيه مما ينضبط بالوصف ويثبت في الذمة، وأن يحدد بصورة تبعد عنه الجهالة (الجنس والنوع والجودة)، وأن يكون معلوم القدر وأجل التسليم ومكانه. وعليه، فإن العقود الآجلة بصورتها التقليدية يمكن أن تلبي جميع تلك الاشتراطات باستثناء أداء الثمن كاملاً. كما أن الطابع غير النمطي لعقد السلم- أي قابليته للتكيف مع رغبة المتعاملين- يجعله أقرب إلى العقد الآجل منه إلى العقد المستقبلي. وبالتالي، فإن المشكلات التي يعاني منها العقد الآجل - وهي توافق إرادتي البائع والمشتري، وقابلية الثمن للمساومة والتفاوض، ومخاطر الطرف الثاني- نصادفها أيضاً في عقد السلم. وتظل مخاطرة الطرف الثاني أحادية، أي أنها تقع على المشتري الذي أدى الثمن كاملاً، وتعرضه لمخاطر نكوث البائع أو تخلفه عن أداء التزاماته التعاقدية. أما في العقود الآجلة والمستقبلية، فإن هذه المخاطرة تأخذ منحىً ثنائي الاتجاه، فتقع على كلا الطرفين. لكن الشريعة الإسلامية تجيز للمشتري في سبيل التغلب على مخاطر النكوث، أن يطلب من البائع ما يضمن حسن الأداء.

الموجود محل التعاقد
قد تحرص المؤسسات المالية على الابتعاد عن التعامل في الموجود محل التعاقد في بيوع السلم، ومن البدائل المتاحة، ما يعرف بالسلم الموازي الذي يشترط فيه عدم ربط العقد الثاني بالعقد الأول، وأن يكون القصد منه التجارة غير الصورية تجنباً لشبهة الربا. حيث يمكن للمؤسسة المالية بعد إبرام عقد السلم، الدخول في سلم مواز لبيع السلعة أو الموجود المسلم فيه بعد أجل مماثل لأجل الاستحقاق في العقد الأول. وبالتالي، فإن ثمة مبرراً لزيادة ثمن إعادة البيع نظراً لوجود فترة زمنية فاصلة. ومن هنا، يشكل الفرق بين الثمن الأول والثاني ربحاً للمؤسسة المالية. ويتناسب الثمن- والحال كذلك - عكساً مع المدة الزمنية المتبقية لتاريخ الاستحقاق.

ومن هنا، فإن المؤسسة المالية التي كانت طرفاً في عقد السلم الأول تبرم عقداً موازياً لبيع السلعة إلى طرف ثالث في تاريخ التسليم. ولا تحصل المؤسسة في هذه الحالة على ثمن معجل، لأن العقد الثاني ليس عقد سلم وإنما عقد سلم موازٍ. وبذلك يكون العقد شبيهاً بالعقود الآجلة والمستقبلية، ويبتعد بالمؤسسة عن المضاربة المحرمة Speculation، لأنها إنما تقابل التزاماً عليها بالتزام على طرف ثالث، وهذا جائز ومشروع.

المصدر: مجموعة المستثمرون

ليست هناك تعليقات: