09‏/01‏/2009

الدولار والشيكل - تحليل أساسيّ وفنيّ

شاهد سعر صرف الدولار الأمريكي خلال السّنوات الأخيرة موجة هبوط مقابل العملات الأجنبية في العالم بشكل عام ومقابل الشيكل بشكل خاص . يعود هذا إلى عوامل خارجية متعلقة بمعطيات الاقتصاد الأمريكي من جهة وعوامل داخلية متعلقة بمعطيات الاقتصاد الإسرائيلي من جهة أخرى.

التقارير السّلبية لمعطيات المحاسبة القومية المتعلقة بالاقتصاد الأمريكي ,وبالأخص العجز التّجاري الذّي أخذ بالازدياد خلال الفترة المذكورة يعتبر من أهم العوامل الخارجية التّي سببت وما زالت تسبب في انخفاض سعر صرف الدولار بالعالم , ولكن العامل الأساسي الذي سارع في تدهور قيمة الدولار كان بداية أزمة الائتمان التّي شاهدناها منذ أواخر شهر تموز 2007 .

هذه الأزمة أدّت إلى ازدياد شعور عدم الطمأنينة لدى المستثمرين والمضاربين في الأسواق المالية بُغية توقعاتهم لدخول الاقتصاد الأمريكي إلى حالة ركود , الأمر الذي يعتبر بمثابة مؤشر سلبي على تحركات سعر الدولار في العالم.

السبب الثّاني يعود إلى فارق نسبة الفائدة الأساسية بين الدولار والعملة المحلية , والذّي يميل لصالح الشيكل.



من المهم الإشارة هنا أنّ كلما كانت نسبة الفائدة على عملة معينة أعلى منها على عملة أخرى, يقوم المستثمرون بعملية تحويل الأموال والأصول المرتبطة بالعملة ذات نسبة الفائدة المنخفضة واستثمارها في الأصول المرتبطة بالعملة ذات نسبة الفائدة العالية.
خلال السّنة الأخيرة قام السّيد بن برننكي – رئيس البنك الفدرالي الأمريكي , بتخفيض نسبة الفائدة الأساسية على الدولار من مستوى %5.25 إلى مستوى %2.0 ما هو عليه حاليًا.

نتج عن ذلك , أنّ فارق نسبة الفائدة بين الدولار والشيكل , ولأول مرة في التّاريخ , أصبح يميل لصالح الشيكل منذ أوائل السّنة الحالية , حيث يقف مستوى فارق الفائدة بين العملتين على %1.75 لصالح الشيكل.

الأمر الآخر الذّي كان له تأثيرًا سلبيًا على قيمة الدولار في العالم من النّاحية الاقتصادية وأيضًا من النّاحية الشّكلية هو قيام عدد من البنوك المركزية , وصناديق الاستثمار الكبيرة منها حكومة الصّين وصندوق أبو ظبي الذّي يعتبر أكبر صندوق في العالم, بتنويع احتياطي العملات الصّعبة الذّي كان معظمه مرتبطًا بالدولار , فقد تمّ تبديل العملة الأمريكية بعملات أخرى من أبرزها كانت عملة اليورو , فمن ناحية اقتصاديّة أدّى هذا العمل إلى ازدياد قوى العرض على الدولار ومن ناحية أخرى اعتبر المستثمرون هذا التصرف بمثابة فقدان الثّقة بالعملة الأمريكية , الأمر الذي يعتبر مؤشرًا سلبيًا على قيمة الدولار.

لكن نحن كمضاربين في هذا السّوق الكبير نتلقى أجرنا من توقعاتنا لاتجاهات السّوق في المدى القريب , المتوسط والبعيد, وليس من معرفة الأسباب التّي تؤدي إلى تحركات السّوق , فتحركات السّوق غالبًا ما تسبق أسبابها, فعملية تحليل اتجاهات السّوق تُدعى " التحليل وفقًا للنظرية الفنية أو التحليل التقني".

فيما يلي لمحة قصيرة عن هذه الطريقة التّي سنستعين بها في تحليلاتنا.

تعتمد طريقة التحليل التقني على عملية دراسة لتحركات السّوق بالاستناد على قراءة نوعية خاصة ومميزة للرسومات البيانية بهدف رسم توقعات مسار تحركات الأسعار في المستقبل القريب , المتوسط والبعيد.

يعتمد المحلل الفني على مصدر معلومات واحد ووحيد وهو تحركات الأسعار ذاتها, فالرّسم البياني لأسعار العملات يبيّن لنا بوضوح التيار الفكري الذي يدور في ذهن معظم المشتركين في"اللعبة" وعن طريق ذلك يمكننا رسم إستراتيجية المنافسة وتحديد خطواتنا المناسبة للأجواء السارية والمتاجرة باتجاه هذا التيار.

إن منطق النظرية الفنية يرتكن على ثلاث فرضيات أساسية :
1) تحركات السوق تجسد كل المعلومات.

هذه الفرضية تعتبر حجر الأساس لعملية التحليل الفنّي, وبدون فهمها بصورة واضحة لا يمكن للتاجر أن يتعامل بنجاح مع هذه "اللعبة".
وهي تعني أن كل العوامل التي من شأنها أن تؤثر على مجرى تحركات الأسعار قد تأخذ طابعها على الرسم البياني لتلك الأسعار. لذلك فإن كل ما يلزم للتاجر الذي يعتمد على طريقة التحليل الفني هو دراسة تحركات الأسعار بواسطة الرسوم البيانية فقط. هذا لا يعني أن النظرية الاقتصادية التي تراقب قوى العرض والطلب غير ناجعة, بل ان الرسم البياني يعرض للتاجر مجمل الأفكار وتوقعات المشتركين في السوق تجاه أسعار العملات. فكما هو معروف, عند ازدياد الطلب على عملة معينة فإن أسعار هذه العملة تبدأ بالارتفاع, والعكس صحيح عند ازدياد في العرض على عملة أخرى فإن أسعارها تبدأ بالانخفاض.

ينتج من هذا أن النظرية الاقتصادية تتمحور حول تفسير الأسباب لتحركات أسعار العملات في الأسواق, بينما تتمحور النظرية الفنية حول توقعات اتجاهات تيارات هذه الأسعار وتحديد ما هو التيار الأرجح.

2)الأسعار تتحرك بتيارات.

أن الهدف الأساسي من رسم تحركات الأسعار هو تعريف اتجاه التيار بدءًا بمراحل تطوراته الأولى بهدف التجارة باتجاه ذلك التيار, حيث انه من المفترض أن التيار السائد في الأسواق يبقى في اتجاهه الحالي ولا ينعكس حتى تظهر علامة محددة تدل على التغيير.

3) التاريخ يعيد على نفسه.

إن جوهر النظرية الفنية ودراسة تحركات الأسواق هي بمثابة دراسة سيكولوجية المستثمرين وجميع المشتركين في الأسواق . على مدار مئات الأعوام , استطاع المحللون الفنيّون من ترتيب وتصنيف الحالات النفسية في الأسواق إلى نماذج وأشكال. هذه النماذج والأشكال تتكرر على الرسم البياني,عاكسةً الحالة النفسية لأغلبية المشتركين في اللعبة وتحدد إذا كانت الحالة ايجابية مما يؤدي إلى ارتفاع في مستوى الأسعار أو حالة سلبية كالخوف وبالتالي ينخفض مستوى الأسعار.

نذكر أن الطبيعة البشرية لم تتغير مع مرور الزمن, فالإنسان العادي سيبقى متخبط بين حالات الطمع وحالات الخوف أو ما بينهما.






كما هو مُبين في الرّسم أعلاه, تيار حركة السّوق لا يجري بخط مستقيم بل يظهر على شكل "أسنان المنشار" (اللون الأزرق), آخذًا مسارًا تنازليًا ممّا يعني أنّ هناك قوى شراء أكبر للعملة المحلية (الشيكل) منها للدولار.

الدّلائل الأخرى التّي تدعم فرضية العمل المنحازة لصالح الشّيكل هي :

ميل ثنائي المعدلات المتحركة لسعر إغلاق الصّرف في المدى القريب والمتوسط يتجه نحو "الجنوب" راسمًا صورة واضحة لانتصار قوى البيع على قوى الشّراء للعملة الأمريكية.

القيم المبيّنة لمقياس القوة النسبية RSI ولمقياس صحة اتجاه حركة السوق DMI (في القسم الأسفل من الرسم أعلاه) تلاءم سوق الموجود في حالة بيع متواصلة .

من هنا نستنتج أنّ سعر الصّرف سوف يستمر في الانخفاض على الأقل نحو آخر أدنى مستوى له 3.2300 والذي يُمثل نقطة دعم للدولار, ففي حالة نجاح الشيكل بكسر هذه النقطة إلى الأسفل يجعل من مستوى أل 3.0000 شيكل كمستوى واقعي لسعر الصرف في الأسابيع القادمة .


لكم تحياتي والله الموفق،
شادي توفيق بحوث: المحلل الرئيسي لغرفة الصفقات "مطاح 24"، عضو نقابة المحللين في بريطانيا ومحاضرا في مواضيع تجارة البورصة.

ليست هناك تعليقات: