يتعجب قارئ عنوان هذا المقال من مقارنتي بين الأسواق المالية وبين صالات الكازينو (دلالة على عواطف لا مكان لها في بيئة تنافسية) لكن الحقيقة تبقى ذاتها: تجارة الأسواق المالية دون استثناء هي الكازينو الأكبر والشرعي في العالم لكن هذا لا يجعلني أعارض هذا الواقع على الرغم من انتقادات قد تُمطر عليّ من جهات لا تزال عائشة تحت مظلة "المنطق الاقتصادي السليم".
بداية، دعونا نفكّر ما الذي يجب أن يتحقق لدى لاعب الكازينو حتى يتمكّن من الفوز في اللعبة؟
ببساطة، عليه ان يمتاز على الديلر (اللاعب المنافس له) وذلك بمقدرته على عدّ الأوراق وتقييمه لاحتمالات الربح والخسارة عند الكشف عن كل ورقة جديدة. إذا نجح لاعبنا بما سبق وذكرناه، عندها لا يبقى أمامه سوى "عد النقود" وما على الديلر سوى تقبّل الخسارة. والعكس صحيح في حال عدم توفّر مهارات اللعب هذه لدى اللاعب.
ننتقل إلى الأسواق المالية، الطاعنة بأنها "أفضل مكان للاستثمار على الأمد البعيد!". برأيي، كل من يصدق هذا الإدعاء هو على الأغلب واحد من ثلاثة: طفل بريء، مستثمر ساذج أو اقتصادي أكاديمي، لكنه بالطبع ليس تاجراً محترفاً للأسواق المالية.
يعود ذلك لواقع هذه الأسواق المُعدّة للتجارة فقط وليست للاستثمار كما يظن غالبية المشتركين في لعبة البورصة. نعم، لا يوجد استثمار في الأسواق المالية إنّما هنالك معركة متواصلة تُعقد من خلالها عقود بيع وشراء بين أطراف بات المشترك بينها تضارب المصالح – المشتري عدو البائع والبائع عدو المشتري، لعبة يُطلق عليها بالاسم لعبة مجموع الصفر Zero Sum Game وهدفها واحد: الربح من الطرف الآخر. منطق مناقض لما يُدرّس في الجامعات ومعاهد علوم الاقتصاد عن ماهيّة دور البورصة وأهميتها للنمو الاقتصادي، موضّحين للجمهور الكريم (الخاسر الدائم طبعًا، من هنا أتى الوصف "كريم") المنطق الاقتصادي من وراء تجنيد رأس المال عن طريق هذه الآلية والمنفعة المشتركة العائدة على كل من المستثمر والمجنّد.
كما هو الحال لدى لاعب الكازينو كذلك الأمر لدى لاعب الأسواق المالية الساعي للرّبح، إذ ينبغي عليه أيضًا أن يتغلب على منافسيه في لعبة البورصة وذلك عن طريق تبنيه خطة عمل تضمن له متوسط ربح متوقع إيجابي Positive Expectancy على الأمد البعيد وإلاّ أصبح أسيراً لمنافسيه للعبة. تعتمد خطة العمل على واحدة من عمليات التحليل للأسواق المالية إمّا على التحليل الأساسي Fundamental Analysis أو على التحليل الفني Technical Analysis أو الدمج بين الطريقتين.
نذّكر، أنه ما من مشكلة في تشبيه لعبة الأسواق المالية لصالة الكازينو إذ نعلم أن أصحاب هذه الصالات يُعدّون أمهر رجال الأعمال ويتمتعون بالحس التجاري والمهارات التي تم ذكرها أعلاه. لكن المشكلة تكمن في مقدرة اللاعب على ممارسة دور الطرف الرابح، أي عليه أن يلعب دور صاحب الكازينو ويمتاز على منافسيه وذلك من خلال عزل عواطفه في اتخاذ قرارات الشراء والبيع، والاعتراف بحقيقة الأسواق المالية على أنها ليست مكان للاستثمار بل هي غابة مكّارة، الأقوى فيها باقٍ وللضعيف فتات الرغيف.
بقي علينا أن نفسر لماذا تعتبر شرعية. لهذا الغرض دعونا نتخيّل رجلاً متخصصاً في علوم الرياضيات والإحصاء توجّه إلى إحدى صالات الكازينو بغية اللعب بهدف الربح مستغلاً بذلك مهاراته العلمية والشخصية التي بالمجمل قد تفوق مهارات الديلر. لنفترض أنه تردّد على الكازينو بشكل يوميّ لمدة شهر بأكمله واستطاع أن يحقق أرباحا يومية نظيفة، فما المتوقع من صاحب صالة الكازينو أن يفعل مع هذا "المكّار"؟ّ الجواب بسيط: الطرد الأدبي والالتزام بعدم زيارة الصالة من جديد وإلاّ ...(أتركها لخيالكم). لكن، هل منكم سمع ولو لمرة واحدة عن إدارة سوق مالي قد قامت بطرد أحد محترفي السوق لمجرد جنيه الأرباح باستمرار؟!
ختامًا، يجب أن أشير إلى حقيقة الأمر أنه توجد فترات تُعتبر فيها الأسواق المالية لكازينو غير شرعيّ، إذ لا يتم طرد المحترفين من التداول بل يُمنع عنهم مزاولة إستراتجية البيع على المكشوف Short Selling الأمر الذي يجعل عندها لعبة الأسواق غير عادلة Not A Fair Game.
شادي توفيق بحوث: المحلل الرئيسي لغرفة الصفقات "مطاح 24"، عضو نقابة المحللين في بريطانيا ومحاضر في مواضيع تجارة البورصة.
نحترم أرائكم على البريد الإلكتروني: shadybahouth@gmail.com
توضيح المخاطر: المعلومات الواردة في هذا المقال هي للإطلاع فقط. ولا تعني حث المطلع عليها للإتجار بأي عملة أو أسهم أو سندات أو معادن أو أي ورقة مالية . حيث تعكس المعلومات في هذا الموقع رأي الكاتب نفسه و الذي من المفترض أن تكون دقيقة و لكنها لا تعتبر مضمونة أو دقيقة, ونحن لا نعد ولا نضمن بأن تبني أي من الإستراتيجيات المشار إليها سوف يفضي إلى أرباح تجارية. وبالتالي فإن الكاتب ليس مسئولاً بأي شكل من الأشكال عن أية خسائر قد تنتج من الأخذ بالمعلومات الواردة فيه.
بداية، دعونا نفكّر ما الذي يجب أن يتحقق لدى لاعب الكازينو حتى يتمكّن من الفوز في اللعبة؟
ببساطة، عليه ان يمتاز على الديلر (اللاعب المنافس له) وذلك بمقدرته على عدّ الأوراق وتقييمه لاحتمالات الربح والخسارة عند الكشف عن كل ورقة جديدة. إذا نجح لاعبنا بما سبق وذكرناه، عندها لا يبقى أمامه سوى "عد النقود" وما على الديلر سوى تقبّل الخسارة. والعكس صحيح في حال عدم توفّر مهارات اللعب هذه لدى اللاعب.
ننتقل إلى الأسواق المالية، الطاعنة بأنها "أفضل مكان للاستثمار على الأمد البعيد!". برأيي، كل من يصدق هذا الإدعاء هو على الأغلب واحد من ثلاثة: طفل بريء، مستثمر ساذج أو اقتصادي أكاديمي، لكنه بالطبع ليس تاجراً محترفاً للأسواق المالية.
يعود ذلك لواقع هذه الأسواق المُعدّة للتجارة فقط وليست للاستثمار كما يظن غالبية المشتركين في لعبة البورصة. نعم، لا يوجد استثمار في الأسواق المالية إنّما هنالك معركة متواصلة تُعقد من خلالها عقود بيع وشراء بين أطراف بات المشترك بينها تضارب المصالح – المشتري عدو البائع والبائع عدو المشتري، لعبة يُطلق عليها بالاسم لعبة مجموع الصفر Zero Sum Game وهدفها واحد: الربح من الطرف الآخر. منطق مناقض لما يُدرّس في الجامعات ومعاهد علوم الاقتصاد عن ماهيّة دور البورصة وأهميتها للنمو الاقتصادي، موضّحين للجمهور الكريم (الخاسر الدائم طبعًا، من هنا أتى الوصف "كريم") المنطق الاقتصادي من وراء تجنيد رأس المال عن طريق هذه الآلية والمنفعة المشتركة العائدة على كل من المستثمر والمجنّد.
كما هو الحال لدى لاعب الكازينو كذلك الأمر لدى لاعب الأسواق المالية الساعي للرّبح، إذ ينبغي عليه أيضًا أن يتغلب على منافسيه في لعبة البورصة وذلك عن طريق تبنيه خطة عمل تضمن له متوسط ربح متوقع إيجابي Positive Expectancy على الأمد البعيد وإلاّ أصبح أسيراً لمنافسيه للعبة. تعتمد خطة العمل على واحدة من عمليات التحليل للأسواق المالية إمّا على التحليل الأساسي Fundamental Analysis أو على التحليل الفني Technical Analysis أو الدمج بين الطريقتين.
نذّكر، أنه ما من مشكلة في تشبيه لعبة الأسواق المالية لصالة الكازينو إذ نعلم أن أصحاب هذه الصالات يُعدّون أمهر رجال الأعمال ويتمتعون بالحس التجاري والمهارات التي تم ذكرها أعلاه. لكن المشكلة تكمن في مقدرة اللاعب على ممارسة دور الطرف الرابح، أي عليه أن يلعب دور صاحب الكازينو ويمتاز على منافسيه وذلك من خلال عزل عواطفه في اتخاذ قرارات الشراء والبيع، والاعتراف بحقيقة الأسواق المالية على أنها ليست مكان للاستثمار بل هي غابة مكّارة، الأقوى فيها باقٍ وللضعيف فتات الرغيف.
بقي علينا أن نفسر لماذا تعتبر شرعية. لهذا الغرض دعونا نتخيّل رجلاً متخصصاً في علوم الرياضيات والإحصاء توجّه إلى إحدى صالات الكازينو بغية اللعب بهدف الربح مستغلاً بذلك مهاراته العلمية والشخصية التي بالمجمل قد تفوق مهارات الديلر. لنفترض أنه تردّد على الكازينو بشكل يوميّ لمدة شهر بأكمله واستطاع أن يحقق أرباحا يومية نظيفة، فما المتوقع من صاحب صالة الكازينو أن يفعل مع هذا "المكّار"؟ّ الجواب بسيط: الطرد الأدبي والالتزام بعدم زيارة الصالة من جديد وإلاّ ...(أتركها لخيالكم). لكن، هل منكم سمع ولو لمرة واحدة عن إدارة سوق مالي قد قامت بطرد أحد محترفي السوق لمجرد جنيه الأرباح باستمرار؟!
ختامًا، يجب أن أشير إلى حقيقة الأمر أنه توجد فترات تُعتبر فيها الأسواق المالية لكازينو غير شرعيّ، إذ لا يتم طرد المحترفين من التداول بل يُمنع عنهم مزاولة إستراتجية البيع على المكشوف Short Selling الأمر الذي يجعل عندها لعبة الأسواق غير عادلة Not A Fair Game.
شادي توفيق بحوث: المحلل الرئيسي لغرفة الصفقات "مطاح 24"، عضو نقابة المحللين في بريطانيا ومحاضر في مواضيع تجارة البورصة.
نحترم أرائكم على البريد الإلكتروني: shadybahouth@gmail.com
توضيح المخاطر: المعلومات الواردة في هذا المقال هي للإطلاع فقط. ولا تعني حث المطلع عليها للإتجار بأي عملة أو أسهم أو سندات أو معادن أو أي ورقة مالية . حيث تعكس المعلومات في هذا الموقع رأي الكاتب نفسه و الذي من المفترض أن تكون دقيقة و لكنها لا تعتبر مضمونة أو دقيقة, ونحن لا نعد ولا نضمن بأن تبني أي من الإستراتيجيات المشار إليها سوف يفضي إلى أرباح تجارية. وبالتالي فإن الكاتب ليس مسئولاً بأي شكل من الأشكال عن أية خسائر قد تنتج من الأخذ بالمعلومات الواردة فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق